ولد الشيخ "عزالدين قسام" عام 1882 في مدينة جبلة التابعة لمحفظة اللاذقية السورية، ودرس العلوم الإسلامية في سوريا ومصر،و تخرج من جامعة الأزهر وبدأ العمل كمرشد إسلامي في سوريا.
واستشهد الشيخ عزّ الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسام عام 1935م، بعد معركة دامية وغير متكافئة مع الاحتلال البريطاني في أحراش «يعبد»، وتحول منذ ذلك الحين إلى علم من أعلام الجهاد والمقاومة، وازداد اسمه ذيوعاً بعد أن أطلقت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" اسمه على جناحها العسكري، الذي لا يزال يقف حجر عثرة أمام الاحتلال الصهيوني.
وقام "القسام" مع اثني عشر مجاهدًا بثورةٍ إسلامية في (جنين)، واشتعلت معركة غير متكافئة بينهم وبين الإنجليز، انتهت باستشهاد "القسام"، وذلك في شعبان 1354هـ الموافق نوفمبر 1936م.
رائد حركة الجهاد في فلسطين
تصدى علماء الأمة لقيادة الجماهير في مسيرتها التحريرية بعد أن وقعت كثير من بلدان العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار، وصار من المألوف أن يتصدر أصحاب العمائم حركات التحرر والنضال، ودعوات الإصلاح والتجديد، وأينما وليت وجهك شطر بلد إلا وجدت صاحب عمامة كان يُوقِظ أُمَّته، ويَمُدّها بروح البعث والنهوض، وطاقة المواجهة والتحدي، فقاد الأزهر الشريف بشيوخه ثورةَ القاهرة ضد الغزاة الفرنسيين، وكان شيخه الأكبر "عبد الله الشرقاوي" بين قادة الثورة، وحمل "السنوسي" حركة الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وتصدى "عبد الكريم الخطابي" و"علال الفاسي" للاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، وقادت جمعية المسلمين بقيادة "عبد الحميد باديس" حركة اليقظة والنهوض، وبعث اللغة العربية، واستنهاض الهمم الواهنة.
وليس في هذه الظاهرة غرابة، فعلماء الإسلام أكثر الناس استشعارًا بمسئوليتهم تجاه الأمة، بما يحملون من أمانة العلم وأمانة التبليغ وأمانة التطبيق، وهم أعظم الزعامات تأثيرًا في نفوس الناس وقدرةً على قيادتهم؛ فللدين سلطان على النفوس لا يدانيه سلطان.
حياة "القسام" الأولى
في بلدة (جبلة) السورية جنوبي (اللاذقيَّة) وُلد "عز الدين القسام" سنة ( 1299هـ-1882م) لأب كان صاحب كُتاب يعلم فيه الأطفال مبادئ القراءة والكتابة ويُحَفِظُّهم القرآنَ الكريم، وفي وسط هذا الجو المُشَبَّع بعِطرِ القرآن، ونسائم الإيمان نشأ "عز الدين القسام".
ولمّا بلَغ سن الصِبا تلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، ثم ذهب وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة برفقة أخيه "فخر الدين" للدراسة بالأزهر، وكان آنذاك يمر بفترة إصلاحية لتنظيم الدراسة به، فتلقى العلم على شيوخه الكبار، وكان من بينهم الشيخ "محمد عبده"، وظل بالجامع الأزهر حتى نال الشهادة العالمية.
وكانت الفترة التي عاصرها "القسام" في مصر فترة تسلط الاحتلال البريطاني على مصر، وتثبيت أقدامه فيها، ونشر ثقافته الغربية وقيمه البعيدة عن الإسلام، وكان الأزهر الشريف حصن الأمة فلم تمتد إليه يد المحتل، وكان يموج آنذاك بدعوات إصلاحية للنهوض برسالته.
العودة إلى (جبلة) وبداية الإصلاح
بعد انتهاء دراسته بالأزهر عاد "القسام" إلى (جبلة) سنة (1321هـ-1903م) يحمل ثقافة إسلامية واسعة، وفكرًا جديدًا، ووعيًا ناضجًا ونفسًا وثَّابة، ترى أن العالمَ لا يكتفي بالدرس والوعظ ورفع الجَهالة عن الناس، بل يقود الناسَ إلى سُبل الصلاح، ويرتفع بوعيهم ومدراكهم، ويرتقي بهم إلى مدارج العُلا، ويغيّر من سلوكهم إلى الأفضل، ويدفعهم إلى رفض الاستكانة والتواكل.
حل "القسام" محلَّ والده في الكُتَّاب، يُعلم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ويُحَفِظهم القرآن الكريم، ثم عمل إمامًا لمسجد (المنصوري) في (جبلة)، واستطاع بعلمه وخطبه المؤثرة أن يجمع الناس حوله، وقد امتدت شهرته إلى المناطق المجاورة، ووجد الناسُ فيه الهادي المرشد، وارتبط بصداقات واسعة مع كثير من الناس، وكان موضعَ تقْديرِهم البالغ لعلمه وصلاحه.
في ميادين الجهاد
لم يكن الشيخ "القسام" مِمَّن يُطلقون الكلام ويثيرون الحماسة في النفوس ويتخلف عن الركب، أو كان مِمَّن لا يحسنون العمل، بل كان من العلماء المجاهدين بالقول والعمل، فحين هاجم الإيطاليون ليبيا قاد "القسام" مظاهرةً طافت شوارع بلدته، تؤيد المجاهدين الليبيين وتدعو الناس إلى التطوع والجهاد ضد الإيطاليين، ونجح في تجنيد مائتين وخمسين متطوعًا وقام بحملة لجمع تبرعات ما يلزمهم ويلزم أسرهم، لكن الحملة الصغيرة لم توفَّق في التحرك لمؤازرة إخوانهم المسلمين في ليبيا.
وحين اشتعلت الثورة في سوريا ضد الغزاة الفرنسيين، رفع "القسام" راية المقاومة ضدهم في الساحل الشمالي لسوريا، وكان في طليعة من حملوا السلاح في ثورة جبال (صهيون) سنة (1338-1339هـ = 1919-1920م) مع "عمر البيطار"، وكانت هذه الثورة مدرسة عملية صقلت مواهب الشيخ، وقدراته القيادية والتنظيمية، وقد حكم عليه الفرنسيون بالإعدام لأعماله الباهرة في مناهضتهم وخبراته الموجعة التي وجهها لهم، لكنه لم يسقط في أيديهم.
الانتقال إلى (حيفا)
بعد إخفاق الثورة في سوريا ونجاح الفرنسيين في القضاء عليها، التجأ "القسام" إلى (حيفا) سنة (1340هـ= 1921م) واستقر بها، ثم أرسل في طلب أسرته لتعيش معه، وما أن استقرت قدماه حتى بدأ نشاطه الدعوي من أول يوم، فبعد صلاة المغرب بدأ درسه الديني، ونجح في النفاذ إلى القلوب لعلمه وإخلاصه وصدق حديثه فالتفتت الأنظار إليه، ثم ما لبثت أن تعلقت به النفوس.
وفي (حيفا) عمل "القسام" مدرسًا في المدرسة الإسلامية، وفي الوقت نفسه خطيبًا لجامع (الاستقلال)، وانتسب إلى جمعية الشبان المسلمين في (حيفا) سنة (1926م) ثم ما لبث أن أصبح رئيسًا لها، وعُين منذ سنة (1929م) مأذونًا من قبل المحكمة الشرعية، وقد أتاحت له كل هذه الأعمال الاختلاط بالناس والتعرف إليهم، وإقامة علاقات وطيدة معهم، وبناء جسور الثقة معهم، وقابله الناس حبًا بحب وثقةً بثقة، وكان الشيخ المجاهد أهلاً لذلك، فازداد محبوه واتسعت شهرته بين الناس.
في تلك الأثناء كان الخطر الصهيوني يتسع يومًا بعد يوم، وتبرز خطورته دون أن يتصدى له أحد، وكان الإنجليز يتولون حماية المخطط الصهيوني والتمكين له، ولم يكن هناك حل لمواجهة هذا الخطر الداهم سوى المواجهة والجهاد، فلن تُجدي السياسة مع قوم يتخذون الكذب والنفاق والحيلة والدهاء سياسةً ودينًا ووسيلةً للوصول إلى مآربهم.
وكانت هذه السياسة غير خافية على رجل مثل "القسام"، الذي أدرك بجلاء أن العدو الذي يجب محاربته والتصدي له هو الاستعمار الإنجليزي، وأن السبيل إلى ذلك هو الثورة المسلحة والجهاد الدامي وتعبئة الجماهير لتأييد الثورة ومساندتها، وكان "القسام" يعرف هدفه جيدًا بعد أن تجمَّعت لديه خبرات متعددة، فبدأ في تشكيل تنظيم ثوري سري، يُربى فيه المجاهدون ويُعَدُّون إعدادًا عسكريًّا وإيمانيًّا.
الإعداد للثورة على المحتل
اتصف الشيخ "عِز الدين القسام" بقدرة فائقة على التنظيم واختيار الأعضاء، والقيادة وسبل الإمداد والتسليح، والعمل على ربط الجانب الجهادي بالجانب الاجتماعي، فكان يهتمُّ بتحسين أحوال الفقراء ومساعدتهم، ومكافحة الأُميَّة بينهم، وتعميق الوعي بينهم، ساعده على ذلك عمله مدرسًا وخطيبًا وإمامًا ومأذونًا، الأمر الذي هيَّأ له الاتصال بالجماهير واختيار من يصلح منهم للعمل معه في مناهضة المحتل.
وعنى "القسام" بالتنظيم الدقيق للخلايا السرية التي أعدها لمجاهدة الإنجليز، فهناك الوحدات المتخصصة، مثل وحدة الدعوة إلى الثورة، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التدريب العسكري، ووحدة شراء السلاح، ووحدة التجسس على الأعداء، وكانت نفقات هذه المجموعات تعتمد على اشتراكات الأعضاء المؤمنين بالعمل ضد المحتل الغاصب.
بداية أعمال الجهاد
وبدأت عمليات الإعداد تُؤْتي ثمارها، فشهدت المنطقة أعمالاً بُطولية عظيمة، وشهدت في أوائل سنة (1354 هـ - 1935م) جنين ونابلس وطولكرم سيلاً من عمليات صيد الضباط الإنجليز، ونسف القطارات والهجوم على معسكرات الجيش البريطاني، وقتلِ المتعاونين مع الإنجليز، وكانت هذه العمليات تتم في جنح الظلام، وفي فترات متعاقبة غاية في الدقة والتنظيم والسرية، الأمر الذي أقلق القوات الإنجليزية، وبث في قلوبهم الفزع والرعب، وكان من أثر ذلك أن سرت روح الحماسة بين الناس، وقويت فكرة الجهاد بعد أن ازداد أعداد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، ومحاباة السلطات البريطانية لهم، ومساعدتهم على التمكين والاستمرار.
"القسام" يعلن الثورة
ولم يخفَ على الإنجليز ما يقوم به "القسام" من إعداد الرجال للجهاد المقدس، وأنه ليس بعيدًا عن الأحداث التي بدأت البلاد تشهدها، فراقبت تحركاته وضيَّقت عليه، فلم يجد "القسام" بُدًا من إعلان الثورة على المحتل، وأن يكون هو على رأس المجاهدين فاتفق مع أحد عشر مجاهدًا على الخروج إلى أحراش (يعبد) في جنين، وأعلنوا الثورة على الإنجليز، والاستعداد للعمل الجهادي، وتشجيع أهالي المناطق المجاورة على الثورة.
لكن سلطات الإنجليز كشفت أمر "القسام" وعرفت مكانه من جواسيسها، فسارعت إلى قمع الثورة قبل اتساع نطاقها، فأرسلت في (18 من شعبان 1354 هـ= 15 نوفمبر 1935م) قوات عسكرية ووقعت معارك عنيفة بين المجاهدين والإنجليز استمرت أيامًا تكبد فيها الأعداء خسائر فادحة في الأرواح، وفوجئ "القسام" ومن معه بأن القوات الإنجليزية تُحاصرهم في (22 شعبان 1354 هـ= 19 نوفمبر 1935م) وتقطع سبل الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة.
استشهاده بعد معركة غير متكافئة
لم يكن أمام "القسام" ورجاله سوى ثلاثة خيارات، إما الاستسلام المهين أو الفرار استعدادًا لمواجهة أخرى، أو التصدِّي للعدو مهما كانت التضحيات وعدم التكافؤ، واختار "القسام" ومن معه الدخول في معركة ولو كانت غير متكافئة، ودارت معركة رهيبة لمدة ست ساعات بين النفر المؤمن والقوات المحتلة، قُتِل فيها من الإنجليز أكثر من خمسة عشر، واستشهد الشيخ "القسام" مع اثنين من رفاقه في (23 شعبان 1354 هـ- 19 نوفمبر 1936م) واعتقل الأحياء- بما فيهم المجروحون- وقُدِّموا للمحاكمة التي حكمت عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين عامين وخمسة عشر عامًا.
وقد أصاب الحادث فلسطين كلها بالألم والحزن، وخرج أهالي (حيفا) ووفود من مختلف أنحاء البلاد يشيعون جنازة الشهداء المهيبة، وتحول "القسام" إلى رمز للجهاد والنضال، وصارت تجدد في النفوس معنى التضحية والاعتزاز بالبطولة، وقد أطلقت حركة (حماس) اسمه على جناحه العسكري باسم " كتائب الشهيد عز الدين القسام " التي تواجه المحتل الصهيوني بعملياتها الاستشهادية، كما أطلق على الصواريخ التي تطلقها كتائب القسام على المغتصبات الصهيونية.(İLKHA)